نجـاة

“إن البعوضة تدمي مقلة الأسد”ØŒ أعرف هذه الحكمة، وكذلك أعرف “ليس الخبر كالمعاينة”ØŒ وقد عاينت!

لقد كنت منذ قليل الأسد، كادت مقلتي تدمى، ولم يكن ثَمَّ بعوضة، بل ذبابة!

ذبابة كاسمها أذبُّها فتؤوب مولعةً بمقلتي، شاحذة ذارعًا بذراع، محملقة فيّ بعينين حمراوين كعينَيْ مؤرَّق لا تطرفان من شدة حرصها على المراقبة وخبرتها بها. ذبابة جسيمة كنصف فولة، سادرة كطائرة ضالّة، طماعة جشعة كتلك الكلبة التي ظنت البدر رغيفًا فوثبت إليه تنبحه تريده!

لم تقنع بحجرة مكتبي، فهي تقبل عادية حتى تنطح جدارها أو سلك شباكها الذي يرافق مكتبي، ثم هي تقفل بذلك العدو ضاربة سلك الشباك بقدميها، فتهاجم جفني بغتة، حتى إذا أهويت عليها بأصابعي أفلتت، وخانتني فروج الأصابع، فإن كان بقي شيء فربما كان حُمرة مَحاجري!

أفلتت الخبيثة، وسبحت في جو حجرتي، ثم عادت، فضربت سلك الشباك ضربتها المشهورة، ولكنها لم تهاجم جفني ولا نطحت جدار حجرتي، بل سقطت علي المكتب أمامي!

عجبًا لها، أَأَوْهَي قرنَها السلكُ، أم خارت من طول أرقها الشيطانة السوداء!

لا!

إنها مستلقية على ظهرها تنازع نزاعًا شديدًا، وتصخب في غير جدوى!

ماذا بها؟

إن بيني وبينها صحبة تحملني رغم ما بي على السؤال عنها!

هكذا إذن، تعسًا لليدين وللفم، أيتها الجبارة، ماذا أنت فاعلة؟

هذا صاحبى!

أنا وهو شيء واحد!

بيننا عهد قلبي لا نرجع فيه ما أن في جو حجرتي ذبابة!

أنتَ أنتَ!

أنت منعتها من أن ترتد إلى جفني…

أنت قفزت فطُلْتها فأطبقت منجليك على صفحتَيْ عنقها القذر…

أنت اختفيت تحتها فلم أرك لأنك لم تجاوز نصف الحمصة، غير أنك حَكَمتها…

أنت تَجرُّها إلي حيث لا أعلم، رغم جسمك الحقير وجسمها الخطير…

ويلك!

إلي أين؟

انتظر…

تعبت، يا مسكين.

ما هذا؟

لقد أجهضتها مما خنقتها، فأسقطت حِمْلَها!

وما حِمْلُها؟

أف!

هذا دود مبتسر كثير قذر…

يا ويلى!

أنجو من شر إلى شر منه؟

تعسًا للذباب والعناكب!

Related posts

Leave a Comment